وقع الشاعر والكاتب عبد الله عيسى لحيلح ابن مدينة جيجل، الجزء الثاني من روايته ''كراف الخطايا''، التي يسرد فيها تفاصيل حياة ما بعد مرحلة ''الجبل'' التي ما انتهت إلا لتسلمه إلى مرحلة جديدة عوضت عشر سنين من الغربة كما وصفها.
يروي الكاتب في الجزء الثاني من ثلاثيته، الصادر عن دار الوسام العربي بعنابة، تفاصيل مثيرة في حياة بطله منصور، العائد إلى زحمة الحياة المتغيرة بعد عشر سنين قضاها في الجبل، ليفاجأ بتغير تضاريس وواقع أهل''السهل'' كما أطلق عليهم. فالقرية لم تبق على حالها وكذلك الناس الذين انصرفوا إلى شؤونهم، وحتى من كانوا يتبنون خطاب الدولة الإسلامية من المظهر إلى الفكر قد أصبحوا رجال أعمال وأثرياء جدد، لم يعد لديهم قضايا عامة تشغلهم بقدر ما يشغلهم اغتنام أموال الناس. وعلى غير ما قد يتوقعه القارئ في هذه الرواية، لم ينزع الكاتب الذي عاش تجربة خاصة مع الجماعات الإسلامية والجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، إلى الدفاع عن الطريق الذي سار فيه يوما والفكر الذي انغمس فيه، بل وهو الذي تساءل عما إذا كانت تلك السنوات ''تيها، أم تشردا وضياعا، أم سعيا وراء خرافة كالحقيقة وحقيقة كالخرافة''، اختار الغوص في إفرازات أزمة قاسية آذت شعبا فقيرا مغلوبا على أمره، أكثر من إيذائها لأصحاب السهل الذين يقصد بهم النظام، وها هو البطل منصور العائد بعد الوئام المدني، من رحلة التيه في الجبال، يعيش منعزلا وحيدا يؤانسه كلبه وشياطينه التي يخلو إليها، يكلمها ويسائلها عن حال البلاد والعباد، دون أن تعطيه الإجابة، ولا أحد بات يعرفه في القرية من أبناء الجيل الجديد، إلا عمي صالح الذي تغيّر وفاته مسار الرواية وتكشف للسكان شخصيته الحقيقية بعد أن ظنه الناس عميل مخابرات....
ولكن الأهم أن الكاتب يكتب و كأنه أراد أن يترك شهادة للتاريخ يشجب فيها أصحاب السهل والجبل وكل من تورطت يداه. ''فأصحاب السهل قساة مسلمون وأصحاب الجبل مسلمون قساة، فبأي رحمة يبشرون'' كما يقول..والجماعة الإسلامية المسلحة كانت تقتل عن تهم تافهة استقتها من قاموسها الخاص الذي غذاه الجهل والنفاق. وتحيل شخصية البطل القارئ إلى تناقضات غير منطقية، فهو ملتح يمقت السلفية ومثقف منفتح على كل الأفكار والثقافات، يتشمم بخطاه كل النهايات دون أن يقتحمها.